تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
فتاوى الحجاب واللباس والزينة للمرأة المسلمة
41681 مشاهدة
لبس النساء للذهب

س: إن بعض النسوة عندنا تشككن وارتبن من فتوى العلامة محمد ناصر الدين الألباني محدث الديار الشامية في كتابه آداب الزفاف نحو تحريم لبس الذهب المحلق عموما، هناك نسوة امتنعن بالفعل عن لبسه، فوصفن اللابسات له بالضلال، والإضلال، فما قول سماحتكم في لبس الذهب المحلق خصوصا وذلك لحاجتنا الماسة إلى دليلكم وفتواكم بعدما استفحل الأمر وازداد وغفر الله لكم وزادكم بسطة في العلم ؟

ج: يحل لبس النساء للذهب محلقا وغير محلق لعموم قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [ الزخرف: 18 ] حيث ذكر سبحانه أن الحلية من صفات النساء، وهي عامة في الذهب وغيره. ولما رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند جبد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي زاد ابن ماجه في روايته: حل لإناثهم .
ولما رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وأخرجه أبو داود والحاكم وصححه وأخرجه الطبراني وصححه ابن حزم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها وقد أعل للانقطاع بين سعيد بن أبي هند وأبي موسى ولا دليل على ذلك يطمئن إليه وقد ذكرنا آنفا من صححه. وعلى فرض صحة العلة المذكورة فهو منجبر بالأحاديث الأخرى الصحيحة كما هي القاعدة المعروفة عند أئمة الحديث.
وعلى هذا درج علماء السلف ونقل غير واحد الإجماع على جواز لبس المرأة الذهب فنذكر أقوال بعضهم زيادة في الإيضاح:
قال الجصاص في تفسيره (ج 3) (ص 388) في كلامه عن الذهب: الأخبار الواردة إباحتها للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحظر في دلالة الآية (يصد بذلك الآية التي ذكرنا آنفا) أيضا ظاهرة في إباحته للنساء وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ قرن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى يومنا هذا غير نكير من أحد عليهن، ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد ا. هـ.
قال الكيا الهراسي في تفسير القرآن (ج 4 ص 391) عند تفسيره لقوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [ الزخرف: 18 ] فيه دليل على إباحة الحلي للنساء والإجماع منعقد عليه، والأخبار في ذلك لا تحصى. ا. هـ.

وقال البيهقي في السنن الكبرى (ج 4 ص 142) لما ذكر بعض الأحاديث الدالة على حل الذهب والحرير للنساء من غير تفصيل ما نصه: فهذه الأخبار وما في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء واستدلالنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاص. ا هـ.
وقال النووي في الجموع (ج 4 ص 442) يجوز للنساء لبس الحرير والتحلي بالفضة والذهب بالإجماع للأحاديث الصحيحة. ا هـ.
وقال أيضا (ج 6 ص 40) أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعا كالطوق والعقد والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد والمخانق وكل ما يتخذ في العنق وغيره، وكل ما يعتدن لبسه ولا خلاف في شيء من هذا . ا هـ.
وقال في شرح صحيح مسلم في باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام: أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء . ا هـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث البراء نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع نهى: عن خاتم الذهب الحديث، قال (ج 10) (317) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء. وقد نقل الإجماع على إباحته للنساء . ا هـ.
ويدل أيضا على حل الذهب للنساء مطلقا محلقا وغير محلق مع الحديثين السابقين ومع ما ذكره الأئمة المذكورين آنفا من إجماع أهل العلم على ذلك للأحاديث الآتية:
1 - ما رواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة لهذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ! فخلعتهم فألقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ولرسوله. فأوضح لها النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة في المسكاتين المذكورتين، ولم ينكر عليها لبس ابنتها لهما فدل على حل ذلك، وهم محلقتان والحديث صحيح. وإسناده جيد كما نبه عليه الحافظ في البلوغ.
2 - ما جاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهادها له، فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم بعود معرضا عنه أو ببعض أصابعه، ثم أمامة ابنة أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: تحلي بهذه يا بنية فقد أعطى صلى الله عليه وسلم أمامة خاتما وهو حلقة من الذهب وقال: تحلي به، فدل على حل الذهب المحلق نصا.
3 - ما رواه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم كما في بلوغ المرام عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت: يا رسول الله، أكنـز هو؟ قال: إذا أديت زكاته فليس بكنـز ا هـ.

أما الأحاديث التي في ظاهرها النهي عن لبس الذهب للنساء فهي شاذة مخالفة لما هو أصح منها، وأثبت وقد قرر أئمة الأحاديث أن ما جاء من الأحاديث بأسانيد جيدة لكنها مخالفة لأحاديث أصح منها ولم يمكن الجمع ولم يعرف التاريخ فإنها تعتبر شاذة لا يعول عليها، ولا يعمل بها، قال الحافظ العراقي - رحمه الله - في الألفية:
وذو الشذوذ ما يخاف الثقة فيـه الملأ فالشافعي حققه

وقال الحافظ ابن حجر في النخبة ما نصه:
فإن خولف بأرجح فالراجح المحـفوظ ومقابله الشاذ

كما ذكروا أن من شرط الحديث الصحيح الذي يعمل به أن لا يكون شاذا ولا شك أن الأحاديث المروية في تحريم الذهب على النساء على تسليم سلامة أسانيدها من العلل لا يمكن الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على حل الذهب للإناث ولم يعرف التاريخ فوجب الحكم عليها بالشذوذ وعدم الصحة عملا بهذه القاعدة الشرعية المعتبرة عند أهل العلم.
وما ذكرناه إخواني في الله العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه آداب الزفاف من الجمع بينها وبين أحاديث الحل بحمل أحاديث التحريم على المحلق وحديث الحل على غيره غير صحيح وغير مطابق لما جاءت به الأحاديث الصحيحة الدالة على الحل، لأن فيها حل الخاتم وهو محلق وحول الإسورة وهي محلقة فاتضح بذلك ما ذكرنا ولأن الأحاديث الدالة على الحل مطلقة غير مقيدة، فوجب الأخذ بها لإطلاقها وصحة أسانيدها، وقد تأيدت بما حكاه جماعة من أهل العلم من الإجماع على نسخ الأحاديث الدالة على التحريم كما نقلنا أقوالهم آنفا. وهذا هو الحق بلا ريب، وبذلك تزول الشبهة ويتضح الحكم الشرعي الذي لا ريب فيه بحل الذهب لإناث الأمة وتحريمه على الذكور والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.